فكرة الأمومة وما فيها

عبر رحلتي في الأمومة تعمقت في تجارب كثيرة ووصلت في فترة إلى القاع العميق الأليم ووجدت نفسي في أماكن مظلمة وقاسية ووحيدة فقدت فيها قدرتي على التفكير أو القرار أو الاستمتاع بالحياة…وقد يعيب البعض علي هذه الكلمات! كيف يمكن لك أن لا تكوني مستمتعة في أمومتك وسعيدة؟ لم تقدري النعمة التي رزقك هي ربك وأكرمك بها فضلاً عن كثير…أنت أم!!! !!…!

ولكن كانت هناك لحظة صفاء ذهني حادة واستوعبت الحقيقة: بأني لست أول أم تعاني هذه المعاناة وأنه لابد من أن هناك مثلي الكثير…و تسألت ماذا يفعلون لتخطي أمواج والخروج من القاع؟ ووجدت بأن الأغلب مجرد يستمرون بالمحاولة يوماً تلو يوم، لأنه لا خيار غير ذلك، بالرغم من وجود الأيام التي نجاهد فيها للنهوض من السرير صباحاً ونرتمي فيه ليلاً بلا وعي و كون هناك لحظات ننفجر فيها بكاءاً وننهار من شدة الإرهاق البدني والنفسي والعاطفي والذهني…. لأنها مرتبطة بفطرة الأمومة القوية التي تقدر على التغلب على هذه كله ولكن تفتقد للروح والمتعة والهناء والعافية…

كنت أقضي وقتاً طويلاً أتحسر على حياتي التي كنت أعتقد أنها ذهبت مني وأضعتها، وشبابي الذي لم أستغله، وقدراتي الكامنة المنطفئة، وجسمي الذي لم أعد أعرفه، وأعيش أياماً غاضبة …فقد كنت مقتنعة بأنني تم استغلالي وأن الأمومة ليست مناسبة لي وأنني أم فاشلة وغير جديرة برعاية هؤلاء البشر الصغار وأنني لن أستطيع على تنشئتهم بالشكل المطلوب…كنت أنظر لمن حولي يستطيعون النوم متى ما شاءوا والخروج بكامل حريتهم والعمل إلى أن ينتهوا من مهامهم وتظهر انجازاتهم ويسافرون حول العالم بدون ارتباطات وأشعر بأنني مدفونة تحت طبقات المسؤولية القاتلة، التي لا أرغب فيها أصلاً…وكنت أسأل: نحن نفكر في كل كبيرة و صغيرة ونهتم بجميع من حولنا، ولكن من الذي يرعانا نحن الأمهات؟

وسألت من حولي عن من يدعمهم ووجدت الكثير منهم ذهبت طريق القهوة والسهرات، وطريق الدخان والمعسلات، وطريق الطبخ والحلويات، وطريق الأدوية والمسكنات، وطريق الأسواق والمشتريات، وطريق العلاقات والتلفونات والمسلسلات بحثاً عن الهروب من الواقع والذات المفقودة والتقدير المعدوم واخماداً للمشاعر المؤلمة المربكة التي لا نعرف كيفية التعامل معها والتغلب عليها وتقبلها…فكل منا نمت في مفهوم أن الأمومة رحلة سعيدة و”جميلة” تتشوق إليها كل أنثى سليمة…وأن التضحية مطلب وأن نسخر أنفسنا لها ونترك كل آخر هو القصد والغاية…فلما وجدنا نفسنا فيها تفاجأنا من صعوبتها ومزيج حلاوتها ومرارتها التي تجعل قلبك يهوي ويصعد في لحظة…ومخك يكاد ينفجر من كثرة الطلب عليه، وأخافتنا قوة المشاعر التي تظهر فينا في لحظاتها، الحب الذي من شدته يؤلم قلوبنا، والغضب الذي يكاد يغرقنا، والخوف على أطفالنا الذي يفتفتنا، و السعادة التي تغمرنا إلى أن نصل إلى لحظة لا نستطيع أن نستمتع فيها لخوفنا أن تزول في اللحظة التي تليها…

أذكر يوماً أحسست فيه فجأة أنني أستطيع أن أرفع فيه رأسي وأدركت أنني لفترة طويلة لم أرفع رأسي لأنظر حولي بعد أن ولدت أحد أطفالي…فكنت منكبة على رعايتهم و منغلقة في احتياجاتهم و كأنه يوجد من يضغط على رقبتي وظهري يثقلني ويجبرني على الانحناء تحت الضغوط، وأحسست وكأنها سحابة سوداء ذهبت عني ورأيت السماء الزرقاء والدنيا من حولي تدور واستطعت أن أتنفس وكأنني كنت حبيسة الأنفاس طوال هذه المدة ولم أدرك ذلك…كيف كنت أعيش هكذا ولم أكن واعية به…كيف كنت أعيش أيامي لا أرى شيئاً ورأسي منحنياً ولا أتنفس؟

وسيكون هناك من يضحك ويسمي هذه دراما وسيكون هناك من يستهزئ ويقول أنها هذه هي الأمومة وعليك تقبلها و(تمشية الحال) ولكن أقف هنا لأقول أنه لا يجب على أي أم أن “تمشي حالها” لأنه بامكاننا أن نكون أفضل من ذلك وأقوى من ذلك وأعظم من ذلك، فللمرأة قدرات عظيمة دفينة يجب أن تعطى المساحة أن تتنفس وتظهر، لأنها تعظم التجربة لها وبالتالي يعود ذلك على أطفالها وعلاقتها مع زوجها وأسرتها ومجتمعها من حولها بالخير والسعادة والهناء والرفاه…

سواء كانت أول تجربة لنا أو خامس تجربة، الأمومة تغير فينا الكثير، وكنساء قد لا نستوعب حجم التغير الذ يطرأ علينا إلى بعد أن يحدث بسنين طويلة، وهذا ما قد يتعبنا ويرهقنا، لأننا نظل نصارع ونحارب هذا التغيير في تحولنا إلى أمهات وننظر للوراء بدل من أن ندخل به بكامل قوانا وننظر من حولنا للروعة التي مكنَا منها رب العالمين…..

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *